الأحد، 3 أبريل 2011

اشتغالات الثورة اللغوية

الشين والغين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الفَراغ. تقول: شَغَلْتُ فلاناً فأنا شاغِلُهُ، وهو مشغول. وقد جاء عنهم: اشتُغِلَ فلانٌ بالشيء، وهو مشتَغَل

(مقاييس اللغة)

أقول: اشتغالة اسم مرة قياسي من اشتغل


رصدت في الأحداث المتلاحقة خلال الشهور الثلاثة الماضية الدور الحيوي الذي يقوم به استخدام اللغة في رسم التاريخ ، فخطابات مبارك ، وبيانات المجلس العسكري كانت ذات تأثير مباشر على جماهير الثورة، وحين جائت صياغة التعديلات الدستورية حيرتنا مع فقهاء اللغة والقانون حول بعض المفاهيم فقادتنا إلى فوضى (ولكنها هذه المرة فوضى خلاقة فعلا) وكثير ما تهنا في مشكلة تعريف مصطلح سياسي، أو قام متحدث هنا أو هناك بتطويع تعريف مصطلح محاولا تطبيقه على حالة ما مستخرجا المصطلح من سياقه التاريخي والجغرافي، ولهذا فأنا أود أن أطوف هنا سريعا حول هذه المسائل اللغوية الثلاثة، وأعني بها لغة الخطاب وما يدور حولها ، ثم أعرض لمشكلة المادة 189 مكرر والتي أثارت حولها لغطا وجدلا، ثم أنتهي إلى إشكالية تعريف المصطلح والتي قد نغفل عنها في بعض الأحيان نتيجة لشيوع هذه المصطلحات حد الاعتياد، فننسى في غمار إلفنا لها، أن تعريفاتها تختلف تبعا للأفراد والتوجهات المختلفة.


* * *

كان السادات وناصر خطيبين مفوهين، يتكلمان فيملآن الزمان والمكان، لكن مبارك لم يكن قط خطيبا فضلا عن أن يكون مفوها، فخطاباته دائما باردة خالية من النكهة، ومفرغة من محتواها، ناهيك عن أداء الرجل الخالي من أية مشاعر حقيقية أو حتى مصطنعة، استمع إلى مبارك وسوف تجد نفسك تائها في جمل طويلة تتجاوز السطور الأربعة ولا تسمن ولا تغني من جوع، سوف تجد الكثير من "المضي قدما بخطوات ثابتة في مسيرة التعمير والتنمية من أجل الحفاظ على سلامة وأمان واستقرار المنطقة ومن اجل إصلاح سياسي وإقتصادي وإجتماعي في مجتمع مصري حر وديموقراطي يحتضن قيم العصر وينفتح على العالم مستقبل أفضل لشعب مصر المعطاء إلخ"! خطاب إنشائي الطابع وضبابي المعنى، ناهيك عن التزامه نغمة واحدة رتيبة متعالية فيأتي كمن يتلو لا كمن يلقي !

هذه العادة السمجة وهذا الخطاب الركيك أورثا الشعب المصري نوعا من (القرف) الشديد من طلعة سيادته، ولم يكن خطاب جمعة الغضب 28 يناير استثناء، فهناك المزيد من الكلام عن "الخيارات والأهداف التي ستحدد مصائرنا ومستقبلنا .. إلخ"، حتى عندما صرح بإقالة الحكومة، قال إنه سوف يكلف حكومة جديدة "بتكليفات واضحة ومحددة" ولم يحدد ما هي هذه التكليفات ، وكيف سيكون شكل الحكومة الجديدة، فأشعل الجماهير الغاضبة أصلا مما زاد الخطاب ضبابية.

نعم... مما زاد البلة طينا أنه لم يذكر شيئا عن نية بقائه في السلطة، ولكني أتحدث هنا عن استخدامه للغة، فلا يكفي أن أقول إن هذه التكليفات واضحة ومحددة حتى تكون كذلك، بل لا بد من ذكر تفاصيل هذه التكليفات وآليات التغيير وهكذا. وحين جاء الخطاب الثاني - خطاب التنحي – أكثر تحديدا، يتحدث عن تعديلات دستوري واضحة، ويدعو للحوار ويعد بعدم الترشح مرة أخرى، مع إضافة بعض التوابل العاطفية من باب "الوطن الذي حاربت من إجله"، هذا الخطاب كان موفقا فعلا، فقد استقطب الكثيرين من البسطاء من جهة فصاروا مباركيين حقيقة لا ادعاء، ومن جهة أخرى فقد قام بتحييد كثيرا من الإصلاحييين – وأنا منهم – الذين قرروا الاكتفاء بهذا القدر من الإنجازات والدفع نحو الإصلاح بالضغط السلمي خلال الانتخابات القادمة، ولولا موقعة الجمل التي أعادت الإصلاحيين إلى صفوف الثوار لانتهت المظاهرات بعد يوم أو يومين.

ثم جاء الخطاب الأخير الذي أسفر عن غباء غاب عنه النظير، الرجل يخاطب الجماهير الغاضبة المشتعلة بخطاب انشائي بارد، يبدأه بمقدمة طويلة، ثم يتحدث عن إلغاء المادة 179 بدون ذكر محتواها، بالله عليكم من هو صاحب البال الرائق الذي سيبحث عن الدستور في هذا الموقف ليبحث عن المادة 179 ، على النقيض من ذلك جائت بيانات المجلس العسكري أكثر عملية وتحديدا ووضوحا وأقل ادعاء فاستحوذت قلوب الشعب المتعطش لللوضوح.

إذن فالأمر الأول: لا بد أن نعي في مرحلتنا القادمة أهمية وضوح الخطاب وقابليته للتطبيق وتجنب من لا يقتصدون في توزيع الوعود ومن يستخدم الخطاب الضبابي الذي يدور حول الحريات والعمل من أجل المستقبل بدون ذكر خطوات ملموسة.


* * *

الأمر الثاني يتعلق بصياغة الدستور، وأعرض هنا لمشكلة المادة 189 مكرر والتي ألزمت مجلسي الشعب والشورى في أول اجتماع لهما باختيار جمعية تأسيسية منوط بها تعديل الدستور، ثم أحالت آليات اختيار اللجنة إلى الفقرة الأخيرة من المادة 189 في كون الجمعية تتكون من مائة عضو تصوغه في ستة أشهر إلخ (الأمر الذي تم تلافيه في الإعلان الدستوري المؤقت في المادة 60 النظيرة لها)

كانت الإشكالية تبرز في بداية الفقرة الأخيرة بعبارة – ولكل من رئيس الجمهورية ... ونصف أعضاء مجلس الشعب – التي تفيد أنه حق لهما على سبيل الحصر، فكيف تلزم المادة 189 مكرر بشيء ثم تحيل على فقرة تؤكد أن هذا حق وليس واجب؟!

كانت هذه هي الإشكالية

والإجابة أنه لا تناقض حقيقي بين الحق والواجب في لغة التشريع، بل بينهما علاقة عموم وخصوص .. فكل واجب حق وليس كل حق واجب، ولكي نفهم العلاقة بين الحق والواجب من منظور شرعي فلننظر إلى الصيام في الإسلام

فالصبي والمسافر يحق لهما الصيام ولكنه ليس واجب عليهما، والحائض والنفساء لا يحق لهما الصيام أصلا، إذن فهو ليس واجبا من باب أولى ، أما البالغ المقيم فيجب عليه الصيام، إذن فهو حق له من باب أولى

ومن هنا فقد جائت المادة 189 تمنح حقا، ثم جائت المادة 189 مؤكدة لهذا الحق، ملزمة باستخدامه في الاجتماع الأول، ومن حسن الطالع أن جائت المادة 60 النظيرة لها في الإعلان الدستوري خالية من هذا اللبس الذي قادنا إلى متاهات لفظية لا نفع لها إلا أنها نبهتنا إلى أهمية الصياغة في المرحلة القادمة، والحاجة دائما إلى العودة إلى فقهاء القانون الموثوق بهم لتفسير النصوص الدستورية، هذا من باب فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون

* * *

وتبرز اشتغالة لغوية ثالثة تتعلق بإشكالية التعريف في العلوم الإنسانية،

تختلف العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية في مفهوم المصطلح، فلو سألت مثلا عن تعريف التوتر السطحي في الفيزياء لتلقيت نفس الإجابة من فيزائي الصين وأمريكا بينما لو سألت عالمين في الاجتماع درسا معا في نفس الجامعة عن مفهوم الإرهاب مثلا، فربما تلقيت إجابتين مختلفتين، ذلك أن علوم السياسة والاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية منشأها أصلا نظريات فلسفية وضعية، تخلتف تبعا للمدارس الفكرية التي نشأت منها، ولذا فينبغي على من استخدم مصطلح ما أن يوضح التعريف الذي يتبناه لهذا المصطلح ثم يلزم نفسه به في بقية كلامه.

وأحيانا يحاول المتحدث من فريق ما تطويع تعريف مصطلح لاستقطاب الفريق الأخر كأن يعرف العلمانية – أو العَالَمانية كما يقولها العوا – بشكل يحتوي الدين ولا يناقضه، أو أحيانا يحاول استعداء الفريق الآخر بتوصيفه بمصطلح لا ينطبق عليه من حيث التعريف، كأن يتهم التيار الديني بالدعوة لإرساء دولة دينية مستدعيا مفهوم الثيوقراطية في العصور الوسطى بأوربا ومخرجا إياه من سياقه التاريخي والجغرافي، وهذا أمر ليس في صالح الحوار

وهناك من يستخدم مفاهيم العلمانية والليبرالية والديموقراطية بشكل تبادلي، وهي وإن كانت تتقاطع في مساحات كبيرة من التعريف إلا أنها لا تتطابق، وينبغي أن تخضع هذه المفاهيم كلها لبحث علمي مدقق من قبل القارئ حتى لا يقع في فخ التعريف الموضح هنا

نسأل الله أن يرزقنا العلم والعمل

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

رباعية


في إيدي سيف وتحت مني فرس
شافوني نطوا انفزعوا، ندهوا الحرس
أنا قلت مالكم؟ خوفتوا ليه؟ شوفتوا إيه؟
ده سيف خشب، وكلب صايبه الخرس

الأربعاء، 5 أغسطس 2009

تداعيات الحب الأول .. جدا

تقول الأغنية الجميلة

حوا وادم لما اتقابلوا.. سوا ف الجنة
ما عرفناش من أول لحظة.. قالوا ايه لبعض
تحت التنية أو الجميزة.. قالها ادم خطوة عزيزة
وجايز اتوتر... والا اتخض
كان وحداني ف كون رباني..كان مشتاق للجنس التاني
وشاف في منامه.. بشاير الوعد
* * *

أول زفة وأول فرحة.. حوا اتزفت من غير طرحة
من غير مهر وشرط ف عقد
خطي يا توتة ده اا ملكوتك والحدوتة فشجرة توتك
واحنا يا دوب.. ف بداية العرض
* * *
حوا اتكسفت من تسبيه والااتخدت من تكشيرته
ومن نظرات الشوق والصد
ايوة اخترتك ومفيش غيرك
نفس مصيري هو مصيرك
وحنتعذب سوا ع الارض
* * *
أول زفة وأول فرحة.. حوا اتزفت من غير طرحة
من غير مهر وشرط ف عقد
خطي يا توتة ده اا ملكوتك والحدوتة فشجرة توتك
واحنا يا دوب.. ف بداية العرض
* * *

الحكاية أن آدم لما خلق.. خلق وحيدا في جنة الله الواسعة، ولم يخفف من وحدته "ما يشتهيه الأنفس وتلذ الأعين"، فكانت الوحشة أول ألم يلم به ، والرفقة أول رغبة تعتريه ، والسكن أول مطلب يطلبه من ربه، وكانت أول حقيقة يتعلمها هي أن الجنة من غير ناس .. ما تنداس .. !

كان وحداني ف كون رباني..كان مشتاق للجنس التاني
وشاف في منامه.. بشاير الوعد
* * *
وكانت حواء، وكان الحب الأول على ظهر البسيطة، الحب الأول هنا على الحقيقة المطلقة، بكل ما تحمله من معان، وليس على المجاز، في الأنجليزية يستخدمون تعبير "الأول جدا" the very first وهو تعبير موفق للتعبير عن الإطلاق في الابتداء. ترى كيف كان شكل الحب الأول؟

حوا وادم لما اتقابلوا.. سوا ف الجنة
ما عرفناش من أول لحظة.. قالوا ايه لبعض
تحت التينة أو الجميزة.. قالها ادم خطوة عزيزة
وجايز اتوتر... والا اتخض

* * *
والله – عز وجل – يجب له إجمالا كل كمال يليق بذاته المقدسة، ويجب له تفصيلا ما نسب إليه في الكتاب والسنة من صفات الجمال والجلال. ومن هذه الصفات ما يحمد للمرء أن يتخلق به، كالكرم والعدل والرحمة، ومنها ما يختص به الله، فلا يجوز للعبد أن يتعداه، قال الله: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحدة منهما قسمته ولا أبالي.
والإنسان في سعيه المستمر نحو الكمال، ينظر لصفات الله، فيتخلق بها، ويدعي لنفسه ما جاز له أن يدعيه منها وما لم يجز، إلأ أنه يتوقف كثيرا عند فكرة الفردية، بل إنها – يخلاف بقية الصفات – محل خوف منه واستعاذة. ولذلك دعا زكرياء ربه قائلا: "رب لا تذرني فردا" وسمع النبي عليا يقول "اللهم أغنني عن الناس" فقال يا علي، لا تدع على نفسك"
إذن فالله فرد، وآدم أيضا كان فردا، ولكن الفردية في حق آدم نقص جدير بالاستعاذة، وفي حق الله كمال جدير بمقام الإلوهية، ذلك أن الله ليس فردا فقط، ولكنه فرد صمد. والصمد هو الذي يستغتني بنفسه عن من سواه. فهو المستغني عن كل شيء وهو الذي يفتقر إليه كل شيء.
* * *
والفرد يظل فردا إلى أن يظهر له قرين، فيصبح زوجا، وزوج وزوج يكونان زوجين، والزوجية هو الوحدة التي بني عليها هذا الخلق "ومن كل شيء خلقنا زوجين" وهي عامة مطردة في الانسان وغيره" فسبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسكم ومما لا تعلمون"، ومن نكات اللغة أن "زوج" في الأغلب الأعم لا تؤنث، أو لا يظهر عليها التأنيث، فهو زوج وهي زوج، في إشارة لغوية رقيقة إلى أنهما نصفين يكونان معا وحدة واحدة هي وحدة "الزوجين" هذه. ومن هنا فالنفس لا تهدأ حتى تجد زوجها التي\الذي خلق(ت) منهـ(ا) ولهـ(ا) "ليسكن إليه\إليها" ومعهـ (ا).
وآه من كلمة "يسكن" هذه
إنها التجسيد اللغوي القرأني لأقصى درجات الكمال الإنساني المتمثل في لحظة اللقاء المقدسة.
* * *
ومن هنا يظهر الفرق بين واحدية الإنسان العاجز إلى غيره، ووحدانية الله القائم بذاته، والألف والنون المفرقة بين لفظي الواحدية والوحدانية هي وسيلة العربية لإضفاء صبغة فخيمة على صيغة المصدر الصناعي، كما نقول في النسب إلى روح روحاني ثم: روحانية، ورب رباني: ربانية، وعقل عقلانية ثم – مؤخرا – علم علمانية
ولو أننا في العامية المصرية نستخدم لفظة وحداني للإشارة إلى "وحيد" ومنه أغنية عبد الوهاب الشهيرة حين قال له عازلوه أن حبييه قد "هان الود عليه" وأنه "نسيه وفات قلبه وحداني" فرد قائلا: "بشتمتوا ليه؟ هو افتكرني عشان ينساني"

يا لها من قاسية..!
* * *
وعلى ذكر الحبيبة القاسية، فمن أشد ما قرأت من قصص الحب على قلبي المرهف، حكاية ابن زيدون وولادة، والسبب ، أن مصدر شهرتها على خلاف قصص الحب المألوفة، ليس أنها بنيت على تراجيديا تحدي الحبيبين للقدر الذي أبى إلا أن يفرق بينهما، ولكن مصدر شهرتها هو قسوة الحبيبة ولادة، وعدم وفائها.
وولادة هذه كانت بنت الخليفة، فلما مات فجرت وانفجرت، وتبدت للرجال، وكتبت على كتفها بماء الذهب
أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتوه تيها
وأمكن عاشقي من صحن خدي... واعطي قبلتي من يشتهيها
وهو كما ترى نوع فاجر من (التاتو) كان سيروق للأخت بريتني سبيرز كثيرا .. فقط لو كانت في فصاحة ولادة
الخلاصة أن ولادة كانت امرأة فاجرة، ولكنها أوقعت المسكين على أنفه، فهام بها عشقا، وكان التنائي بعد التداني
* * *
وقد تكون القسوة من جانب الرجل، فكم من فارس شديد البأس ظن أن الحب أمرا لا يليق بالجال، فتراه عصي الدمع شميته الصبر، وكأنه الهوى ليس له نهي عليه ولا أمر، ولكنك إذا ما نظرت في أمره، لوجدته كذاب أشر، فهو في الحقيقة مشتاق، وعنده لوعة، ولكن مثله لا يذاع له سر
طبعا كذاب

الجمعة، 16 يناير 2009

تحت الإنشاء